تحميل المقال |
|
الرواسب الاجتماعية السالبة وتأثيراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي |
|
التصنيف : دراسات |
|
بقلم : د. عائشة يكن: نائب رئيس جامعة الجنان / رئيسة المكتب الإقليمي للإتحاد النسائي الإسلامي في الشرق الأوسط / عضو مشارك في الرابطة |
|
17/02/2017 |
مؤتمر الاتحاد النسائي الاسلامي العالمي السابع 12 – 13 فبراير 2017 الخرطوم عنوان المؤتمر: التمكين الاقتصادي للمرأة: التحدّيات الراهنة تحت شعار: نحو دور أكثر فاعلية للمرأة المسلمة عنوان الورقة: الرواسب الاجتماعية السالبة وتأثيراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي
المقدّمة عندما هممت بإعداد ورقتي حول الرواسب الاجتماعية السلبية، وتأثيراتها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي لجهة تمكين المرأة المسلمة، أول ما تبادر الى ذهني أن ألج الموضوع، كما معظم الأبحاث والمؤلفات الإسلامية التي تتناول قضايا المرأة المسلمة، من باب حقوق المرأة في الإسلام ، وكيف أن وضعها يختلف كثيراً عمّا كان عليه في الحضارات السابقة، وكيف أن الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان اعترف بأهليتها واعتبرها شقيقة الرجل ولا تقل عنه أهمية بالانسانية، فأعلن أن الناس جميعاً متساوون في الخلق "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً" . وكيف كرّمها الله وحرّم وأدها، وأعلى مكانتها وأعزّ شأنها وأعطاها حقّ التعلم والعمل والإرث والتملّك وإدارة أموالها وحق الحرية الشخصية واختيار شريك حياتها، وساواها بالرجل من حيث الثواب والعقاب"ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا" " وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". ولكن، وبالنظر إلى التحديات الراهنة التي تواجه العالم الاسلامي عموماً، والمرأة المسلمة خصوصاً، سواء من الداخل أو من الخارج، أصبح الخطاب التقليدي التاريخي لا يكفي للوقوف في وجه تلك التحديات أو المنعطفات الخطيرة التي تنزلق فيها الأمة، ولا يقدّم الجواب الشافي لتحصين مجتمعاتنا من الداخل، أو لتقديم نموذجاً حضارياً يعيد للإسلام دوره الريادي في العالم. إن فقه المرحلة، يتطلب قراءةً موضوعية تحمل في طياتها بذور الإصلاح، وإحياءاً للفكر النقدي، وتجديداً في الخطاب الإسلامي، وخصوصاً المتعلق بقضايا المرأة، وعصفاً ذهنياً، ومناظرات فكرية معمّقة، تناقش فيها أكثر القضايا حساسية، بكل جرأة وموضوعية. فما هي الرواسب الاجتماعية وما هي أهم التحديات التي تواجهها المرأة المسلمة على الصعيد المحلي، الاقليمي، أو العالمي، والتي تحول دون تمكينها اقتصادياً واجتماعياً؟ وهل يمكن معالجة الانعكاسات السلبية لتلك الرواسب على واقع المرأة المسلمة، وفق ما تقتضيه هذه المرحلة، ودون الخروج عن حدود الشريعة السمحاء أو الوقوع في المحظور؟ الرواسب الاجتماعية الرواسبُ: جمع راسِب وتعني "بقايا"، من (بقى، يبقى، بقاء)، والراسِبٌ فِي مَكَانِهِ يعني الثَابِتٌ، والرَاسِخٌ. ولها استخدامات متعدّدة في علوم البيئة والجيولوجيا والبيولوجيا؛ فرَواسِبُ الأَنْهارِ هي الأَتْرِبَةُ الْمُتَرَسِّبَةِ في قَعْرِهِ، وهي ما يستقرّ من مادّة صخريّة معلّقة بالماء أو الهواء، وعند تماسكه يكون صخرًا، وهي المواد المتجمِّعة بالقرب من الشواطئ جرفتها الأنهار إلى البحر. أما في علوم الانتروبولوجيا فرواسِبُ الماضِي هي بَقاياهُ . وتعرّف البقايا في علم الاجتماع على أنها ما يتخلّف من نظام اجتماعي بعد اختفاء الظواهر التي كانت سبباً في وجودها أو الاحتفاظ بعادة أو تقليد لا لفائدته بل لمجرد أنه تراث الاجداد." فالرواسب الاجتماعية هي استمرار بعض العادات أو التقاليد كمخلّفات أو رواسب من الماضي. وبالرغم من أن الرواسب الكامنة في النظام الاجتماعي ضرورية للفرد وللمجتمع، لأنها تعزّز انتماء الفرد الى الجماعة، وتساعد على الترابط والتعاطف والمؤانسة والتكامل بين الأفراد والمجموعات، بما يحقّق استمرار التجمعات والإلفة الاجتماعية، إلا أن هذه الرواسب، كثيراً ما تتحوّل الى رواسب سلبية، تعيق تقدّم المجتمع وتطوره، وتحدّ من امكانيات أفراده وتطلعاتهم، دون مبرّرات منطقية أو مرتكزات علمية. مخاطر الرواسب السلبية على المرأة المسلمة والمجتمع إن الرواسب الاجتماعية السلبية، تشكّلت في المجتمعات الاسلامية، نتيجة لاختلاط الشعوب الإسلامية ببعض الأعراف التي كانت سائدة قبل الإسلام؛ حيث أخذت تلك الشعوب، تأنس لبعض العادات والتقاليد والأفكار، التي وفدت إليها من خارج الدين الصحيح، وذلك لتحقيق مصلحة فئوية أو شخصية، فكان للرجل النصيب الأكبر من الإفادة من تلك الرواسب على حساب المرأة. كما أن بعض الشعوب حافظت، بالرغم من دخولها الإسلام، على بعض الموروثات الجاهلية وكان نتيجة ذلك أن تعطّل مفهوم الحقوق التي منحها الاسلام للمرأة دون كل الحضارات، وسرعان ما وجدت نفسها، من جديد، تعاني من ظلم الرجل واستبداده، حتى خيّم عليها جهل مطبق. وبات من ينظر الى المرأة المسلمة يظن أن الإسلام هو الذي ألحق بها الظلم، وأنه كان سبباً لتخلفها عن ركب الحضارة. فمن الرواسب الاجتماعية التي تعيق تقدّم المرأة: 1. تفضيل الذكر على الأنثى عند الولادة (وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم ) وما يتبع ذلك من امتيازات تعطى اليه على حساب الفتاة 2. تفضيل تعليم الذكر على الأنثى خصوصاً في حالات النزاع أو الفقر وفي المجتمعات الريفية والبدوية 3. إرغام القاصرات على الزواج ممن يكبرنهن سناً رغم إرادتهن لتحقيق مصالح مادية لولي الأمر مما ينتج عنه عدم اتمام الفتاة لدراستها الأساسية (لا تزوّج الأيّم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن ) 4. اقتصار الزواج على الأقارب في بعض المناطق أو العائلات، خوفاً من انتقال مال العائلة الى الغير عبر الإرث، وما يسبب ذلك من أمراض وراثية وتخلّف عقلي يلقي بظلال ثقيلة على الأسرة (على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بالتخيّر إذ قال: "تخيّروا لنطفكم"، والتخيّر في عصرنا الحاضر أساسه الاستشارة الوراثية. وتتجاوز نسبة زواج الأقرب في بعض الدول العربية الـ 50%، وهي الأعلى في العالم) 5. مصادرة حق المرأة في التصرف بمالها من قبل أحد محارمها وحرمانها من أي فرصة من فرص الاستثمار أو حرية القرار (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ). (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ). 6. تكليفها بأعباء المنزل وخدمة الرجال فيه – سواء زوج، أب، أو أخ – وكأنها خلقت لهذه الغاية. ولو أراد الله أن يكون دورها محصور بالأعمال المنزلية لما أعطاها عقلاً يستوعب كافة العلوم والفنون. 7. إرغام المرأة على السكوت إزاء تعرضها للعنف وإقناعها بأن الصبر على الظلم والقهر من شيم النساء 8. تهميش دور المرأة في الحياة العامة واعتبارها غير معنية بما يدور حولها من أحداث. 9. تحميلها وحدها ذنب الخطيئة دون الرجل بالرغم من أن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في الثواب والعقاب. إن جهل المرأة وعدم تمكنها من الحصول على العلم والعمل ليس قدرها. فليس هناك نص شرعي يمنع المرأة في الاسلام من العلم والعمل طالما أن ذلك يتم ضمن الضوابط الشرعية التي يفرضها الإسلام، ليس على المرأة فقط، بل على الرجل أيضاً. " فالمرأة المسلمة، كما يقول مصطفى السباعي، في العصور الأخيرة كانت محرومة من التعليم، رغم ما يحث عليه الإسلام من تعليم الرجال والنساء على السواء، وليس في الإسلام نصاً واحداً يحرم على المرأة أن تتعلم، وفي تاريخنا مئـات العالمات والأديبات والمحدثات ممن اشتهرن بذلك ودونت سيرتهن في كتب التراجم" ( ). ويقول محمد قطب: "إن المرأة في عرف الإسلام ليست آلة للولادة والحضانة والإرضاع.. وإلا لما حرص كل الحرص على تهذيبها وتعليمها وتقوية الإيمان في ضميرها، وتوفير الضمانات المعيشية والقانونية والنفسية والروحية لاستقرار كيانها." لقد سكتت المرأة، جهلاً أو غصباً، عن الظلم الذي لحق بها، في القرون الأخيرة، إلى أن بدأت دعوات اصلاحية من رواد النهضة تنادي بتعليم المرأة، من رفاعة الطهطاوي الى جمال الدين الأفغاني فمحمد عبده ومحمد رشيد رضا، دون أن يؤدي ذلك الى تغيير جذري في واقع المرأة. وهذا خطأ فادح، ارتكبته المجتمعات الاسلامية، حيث قدّمت على طبق من ذهب، مسوغات التدخل الأجنبي في شؤونها الإجتماعية، ودفعت المرأة العربية الى الالتحاق بقوافل النساء المطالبات بحقوقهن. إن واقع ومظهر المرأة في المجتمعات الشرقية والإسلامية واقع غير مُرضٍ، فهذه المجتمعات لا تزال متأثرة بالعادات والتقاليد الاجتماعية المختلطة، التي تتخذ لها في كثير من الأحيان تغطية وجواً إسلامياً يحميها ويدافع عنها. إن تلك الصفات والعادات التي تنتقص من دور المرأة الفعلي والحضاري، إنما هي اجتزاء لفهم إسلامي مغلوط، وهي غريبة عن الإسلام، وحقيقة أمرها أنها تشكلت في حالات الضعف الداخلي والغلبة الخارجية على امتداد فترات طويلة من الزمن." إن مشكلة المرأة المسلمة تنبع أساساً من عدم التطبيق السليم لأحكام الشريعة السمحاء، التي أقرت مبدأ المساواة العادلة بين الرجل والمرأة، مراعيةً فروقاتهم الفزيولوجية والنفسية وفطرتهم التي فطرهم الله عليها. "فهل تحتاج المرأة المسلمة الى اتفاقيات دولية كي تحفظ حقوقها؟ وهل تحتاج إلى أن تنضم إلى قافلة نساء العالم المطالبات بحقوقهن فيما لو كانت تمارس كافة حقوقها بالشكل الكامل، وعلى الوجه الصحيح كما منحتها إياها الشريعة الاسلامية الغراء منذ نيّف وأربعة عشر قرناً من الزمن؟" ويؤكد محمد قطب: "أن هناك تقاليد وضعها الناس ولم يضعها رب الناس دحرجت الوضع الثقافي والاجتماعي للمرأة، واستبقت في معاملتها ظلمات الجاهلية الأولى، وأبت إعمال التعاليم الإسلامية الجديدة فكانت النتائج أن هبط مستوى التربية ومال ميزان الأمة كلها مع التجهيل المتعمد للمرأة والانتقاص الشديد لحقوقها" ومن الملاحظ، عند تناولنا لقضية المرأة ودورها في الإسلام، أننا غالباً ما نركّز على صورة واحدة مثالية للمرأة، وهي صورة الأم التي لديها أطفال عليها إرضاعهم ورعايتهم وتربيتهم. ويتمّ تهميش الحالات الأخرى المتعدّدة من النساء الذين هم خارج هذا الإطار، من غير المتزوجات، أو من النساء اللواتي لم ينجبن، أو المطلقات، أو اللواتي بلغ أولادهن سن الرشد، أو النساء اللواتي لا معيل لهن كالأرامل؛ فلا تلحظ أدوارهن الآراء والاجتهادات والأحكام، وكأنهن حالات خاصة شاذة لا يستحقون الاهتمام واستنباط الأحكام التي تلحظ ظروفهن. فلا نجد في أدبياتنا ما يعرّف بدور المرأة، التي ليست أماً، وليست زوجة. من ناحية أخرى، نرى الكثير من النساء يبرعن في العلوم والفنون المختلفة ويصلن الى درجة عالية من التميّز، متفوقين على العديد من أقرانهن من الرجال.. أليس الله جلّ وعلا هو الذي أعطاهن هذه القدرات المميّزة ليصلن الى ما وصلن إليه؟ أليس من الإجحاف بمكان، عدم استثمار تلك الهبة التي وهبهن إياها ربّ العالمين.. أليس من الجحود بالله ونكران نعمه أن تعطّل طاقات تلك النساء ولا يستفاد منها لخير البشرية؟ وهل من المصلحة بمكان أن تكون جميع هؤلاء النسوة غير منتجات لا بل عبء على الأسرة والمجتمع؟ وهنا أتساءل؛ لماذا لا نسلط الضوء على المسلمات المتفوّقات في مجال البحث العلمي أو ريادة الأعمال؟ بينما نجد المواقع الإلكترونية للمنظمات الدولية والإنسانية تتصدّرها قصص نجاح لسيدات مسلمات محجبات استطعن أن يكسرن الصورة النمطية للمرأة المحجبة ويحقّقن نجاحاً باهراً في أحد مجالات العلوم أو العمل.. لماذا لا تتبنى المنظّمات والحركات الاسلامية ريادة المرأة؟ لماذا نتغنى بالنساء المسلمات الرائدات عبر التاريخ ونطمس أو نتجاهل النساء المسلمات المعاصرات؟ نقول أن الاسلام صالح لكل زمان ومكان، وفي حين اختلفت آراء الأئمة وفتاواهم من منطقة لأخرى ومن زمن لآخر في العصور السابقة، مما يؤكد مرونة الأحكام الشرعية لتتناسب مع العصر ومتغيراته، فإننا نرى اليوم جموداً قاتلاً في قراءة النصوص واستنباط الأحكام بعيداً عن الواقع ومستجداته. وهذا ما يؤكده الإصلاحيون الذين يرون "أن مشكلات المرأة المسلمة الأساسية ليست آتية من الشريعة، بل من العادات والأعراف والتقاليد التي سادت في العصور الأخيرة.. ولذلك كان المطلوب توعية المرأة وتوعية المجتمع بضرورة العودة لفهم الشريعة وأحكامها فهماً جديداً من خلال الاجتهاد في قراءة النصوص من جهة، والتواصل مع السياقات العالمية من جهة ثانية" . ولا يمكننا أن ننكر أن بعض المكتسبات التي وصلتنا اليوم والتي نعتبرها من البديهيات، كارتياد المدراس والجامعات، ودراسة شتى أنواع العلوم، كانت، وللأسف، نتيجة نضال نسائي طويل خلال القرن الماضي لدعاة تحرير المرأة، في حين أن الإسلام أعطاها هذا الحق بدون نضال ولكنه سُلب منها جهلاً وظلماً. من هنا نرى أن حفاظ المرأة المسلمة على كامل حقوقها التي منحها إياها رب العالمين بدون منّة من أحد، يجب أن يكون مطلباً جماعياً، وفرضاً على كل مسلم ومسلمة، لأن في ذلك وقاية للمجتمع وللأسرة من مخاطر البحث عن تلك الحقوق الضائعة والمسلوبة في المكان الخطأ. فالمسؤولية مشتركة لأنها صمّام أمان للأمة. إن سلب المرأة لحقوقها المشروعة، بدءاً من حق التعلّم، مروراً بحق اختيار الزوج، وصولاً الى حق التصرف بمالها، كان سبباً رئيساً لدخول دعوات التغريب والتحرّر الى مجتماعتنا لا بل واستحسانها من النساء المسلمات أنفسهن. فنتج عن ذلك دعوات تهدف الى إلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية من خلال حملات ممنهجة عبر الجمعيات الأهلية وما يعرف بالمجتمع المدني وبتمويل واسع من منظمات دولية تستخدم كل وسائل الترويج والضغط عبر القنوات المختلفة لشرعنة تلك التوجهات والأفكار. التحدّيات التي تواجه المرأة المسلمة اليوم تواجه المرأة المسلمة اليوم تحديات شتّى ودعوات مختلفة تضعها أمام خيارات صعبة يفرضها الواقع الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي. وأبرز تلك التحديات: 1. التقاليد والأعراف التي لا تمتّ الى الشريعة الاسلامية بصلة والتي تحدّ من امكانيات المرأة وتطلعاتها 2. إغراءات دعوات التغريب وتحرير المرأة - من حرية ومساواة وتمكين - التي تدّعي إنصافها، ولكنها بالمقابل تسعى لفرض ايديولوجيتها على مجتمعاتنا من خلال الربط بين الجهل والظلم الذي يطال المرأة المسلمة وتعاليم الدين مما يجعل المرأة وحتى الرجل أمام مفاضلة بين الحداثة والدين 3. الأوضاع الاقتصادية المتردّية وخصوصاً في الدول العربية والاسلامية والتي تعكس بظلالها على الأسرة بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص، كونها الحلقة الأضعف، فتحرمها من حق التعلّم والعيش الكريم 4. الحروب والنزاعات المسلّحة في المنطقة، والتي تدفع المرأة ثمنها الباهظ، وتعرضها للعنف المباشر – وأحياناً للاغتصاب - والنزوح والتشريد، أضف الى فقدان المعيل من أب أو زوج أو ولد فتصبح عرضة للاستغلال والاتجار بكل أنواعه 5. إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الاسلامي وبالمسلمين وإعلان الحرب عليه عالمياً، مما ينعكس بحدّة على المرأة المسلمة، وخصوصاً في الدول الغربية، حيث يدلّ حجابها عليها، فتتعرض للتمييز في أماكن الدراسة والعمل يصل الى حدّ المنع، كما تتعرض أحياناً في الأماكن العامة للعنف اللفظي الذي قد يصل الى حدّ الإعتداء الجسدي إن وضع المرأة المسلمة، قبل أن تعصف الحروب والفتن في العديد من الأقطار العربية والاسلامية، لم يكن بالمستوى المنشود، من حيث العلم والثقافة والإمكانيات. ولم يكن على قدر المطالب، من حيث الحقوق والعدالة والحريات، فكيف بها اليوم؟ إن نسبة النساء اللواتي لا معيل لهن تتزايد. وأصبحت العديد من الأسر التي فقدت معيلها بسبب الموت أو الإعاقة الدائمة أو النزوح القسري تعتمد على عمالة المرأة كي تعيش (في مصر مثلا،ً تبلغ نسبة النساء المعيلات 34% بحسب احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء). فهل من العدالة أن تجد المرأة نفسها بلا شهادة تخولها للعمل الكريم وبلا عمل وبلا معيل؟ هل يجوز أن تبقى المرأة أسيرة أو ضحية تقاليد فرضها العباد بجهلهم أو بأنانيتهم ولم يفرضها رب العباد؟ إن أوضاع المرأة العربية والمرأة المسلمة مأساوية في العديد من المناطق، ووصلت الى تحت خط الفقر، حيث باتت تفتقر الى الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، من هنا أصبح لزاماً على المرأة أن تسعى للحصول على أعلى نصيب ممكن من العلم واكتساب المهارات التي تحميها وتحمي أسرتها من العوز والفاقة. وبالرغم من ارتفاع نسبة الفتيات العربيات والمسلمات اللواتي يرتدن المدارس والجامعات في السنوات الأخيرة إلا أن هناك نسبة كبيرة من التسامح إزاء تسرّب الفتيات من مقاعد الدراسة وخصوصاً في الأرياف وفي المناطق الفقيرة بسبب الزواج أو للإعتماد عليها في أعمال المنزل أو لعدم القدرة على تحمّل نفقات تعليمها وتفضيل الإنفاق على تعليم الذكور. وقد بلغت نسبة الأمية في مجمل الوطن العربي في سنة 2013 حوالي 19% من إجماليّ السكان، وبلغ عدد الأميين نحو 96 مليون نسمة، وذلك وفق إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو). وانطلاقاً من توصيات مؤتمر الاتحاد النسائي الاسلامي العالمي، الذي عقد في بيروت في الخامس والعشرين من شهر فبراير 2000، تحت عنوان: "المرأة واستشراف المستقبل"، والتي نصت في أحد بنودها على ضرورة إيجاد الآليات المناسبة لتأهيل المرأة مهنياً ووظيفياً من أجل تعزيز وضعها الاقتصادي مما يؤهلها لأداء دورها بشكل أفضل، فإننا نقول أن الحاجة لتأهيل المرأة مهنياً ووظيفياً ما زالت موجودة وأن آليات هذا التأهيل ليست كافية. ومع تعاظم حالات التهجير والنزوح واللجوء الذي تشكل فيه المرأة النسبة الأكبر والحلقة الأضعف، فإن المسؤولية أصبحت أكبر وأخطر وتحتاج الى خطة استراتيجية شاملة تشارك فيها كل القطاعات العامة والخاصة وهيئات المجتمع المدني. إن الخطط الانمائية والاقتصادية التي لا تشمل المرأة ولا تأخذ بعين الاعتبار حاجاتها وتطلعاتها لا يمكنها أن تنهض بالمجتمع بشكل سوي. وتواجه المرأة، في المنطقة العربية كما في غيرها، تحديات على صعيد العمل، فهي: 1. غالباً ما تتلقى أجراً أقل من الرجل في فرص العمل نفسها 2. تتحمل العبء المزدوج للتوظيف والعمل المنزلي 3. يجب عليها النضال للوصول الى مواقع اتخاذ القرار 4. عليها مواجهة التحيّز والتحرّش الجنسي في ظل غياب قوانين تمنع ذلك 5. تواجه تمييزاً في القوانين بشأن المعاشات التقاعدية والمكافآت 6. كما تواجه المرأة المسلمة المحجّبة تمييزاً على صعيد فرص العمل المتاحة في القطاعين العام والخاص الأعراف والتقاليد الجديدة المرافقة لعصر العولمة إن الظواهر الاجتماعية الجديدة، التي أحدثتها الثورة الرقمية، نتجت عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الحديثة، خارج إطار الضرورة أو الحاجة. ولا يخفى على أحد، مدى تأثّر العلاقات الاجتماعية والأسرية بهذه الثورة، وما نتج عنها من متغيرات في أسلوب الحياة اليومية، والسلوكيات الفردية، التي بدأت تشكّل أنماطاً جديدة وتقاليد مستحدثة، ستشكّل رواسب اجتماعية في المستقبل. فسلوك اليوم وعاداته هي أعراف المستقبل ورواسبه. ولسنا نبالغ إذا قلنا أن الثورة المعلوماتية، أحدثت ثورة في العادات والتقاليد والأعراف السائدة، وكسرت الحواجز الثقافية، والضوابط الاجتماعية، وتخطّت الحدود الجغرافية، فاتحةً المجال لعلاقات الكترونية في عالم افتراضي. حتى صار بإمكاننا أن نتحدث عن سقوط التقاليد والقيم على أعتاب التكنولوجيا الحديثة. إن المرأة، التي يبقيها الرجل – أبوها، أخوها أو زوجها - حبيسة المنزل بهدف حمايتها، لم تعد بمنأى عن الفتن، إذا لم تُحسن تربيتها؛ حيث بات بإمكانها أن تمارس كل أنواع المحرّمات عبر الانترنت دون أن تخطو خطوة واحدة خارج منزلها. فحماية المرأة والرجل تكون بتحصينهم من الداخل. ومن المظاهر المرافقة للثورة الرقمية: 1- الإدمان على الهواتف والأجهزة الذكية وهدر الوقت 2- تراجع ملحوظ في سلطة الأهل على الأبناء 3- تراجع الحياء خصوصاً لدى الفتيات 4- شيوع مفهوم الصداقة بين الإناث والذكور عبر مواقع التواصل الاجتماعي 5- فقدان الخصوصية 6- انتشار الأخبار والصور الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي 7- سهولة تحريك الشباب والشابات نحو قضية معينة 8- التطاول على الزعماء والقادة 9- التفكك الأسري وانقطاع التواصل داخل الأسرة 10- ارتفاع نسبة الطلاق يقول محمد قطب في كتابه معركة التقاليد: "وتغيّر التقاليد ليس ضاراً في ذاته، ولا هو مشكل يحتاج الى حلول. إنما الذي يضرّه دائماً هو خروج التقاليد عن القواعد الخُلقية ومقرّرات العقيدة والإيمان بالله" إن المرأة المسلمة تخوض معركتين: المعركة الأولى مع الرواسب الاجتماعية والتقاليد المنافية للدين، والمعركة الثانية، والتي قد تكون الأشدّ، هي مع العادات الاجتماعية الوليدة، التي تفرضها الشبكة العنكبوتية، عبر مواقع تواصل اجتماعي تفاعلي افتراضي، ذو تأثير كبير على الواقع وعلى التقاليد والأعراف. طبعاً ليست المرأة المسلمة وحدها التي تخوض هذه المعركة بل المجتمع بأسره وبوتيرة تصاعدية ومتسارعة. الإتجاهات الحديثة نحو تمكين المرأة تنشط الدول المتقدّمة والنامية، بناءً لبرامج الأمم المتحدة الانمائية، لوضع خطط تتناسب مع الأهداف والتوجهات العالمية التي تحدّدها المنظّمة وفق السياسات العالمية. ودائماً ما يكون للمرأة الحظ الوافر من تلك البرامج والتي غالباً ما ينتج عنها اتفاقيات ومواثيق دولية، توقّع عليها غالبية الدول الأعضاء، ولو تحفظّت على بعض بنودها؛ كاتفاقية سيداو التي تنادي بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. علماً أن هذه الاتفاقيات كثيراً ما تبقى خارج إطار التطبيق العملي ولا تأخذ مجراها نحو التنفيذ إلا بصعوبة وبطء شديدين لاصطدامها بالأعراف السائدة وبسبب غياب القوانين والتشريعات التي تجعلها نافذة. ولكن الإلحاح والمتابعة الحثيثة من قبل المنظمات الدولية ومن يمثلها في بلداننا، وتجزئة الأهداف الاستراتيجية الكبيرة الى أهداف فرعية عملانية وخطوات مرحلية، وتحديد أدوات واضحة لقياس مدى التقدّم في الخطة، كل ذلك يؤدي إلى تحقيق انجازات وانتصارات صغيرة، قد لا نلقي لها بالاً، ولكنها تشكّل قطعةً من قطع الـ puzzle أو حجراً من حجر البناء. تقول مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك: "في العام 2015 اعتمد زعماء العالم خطة التنمية المستدامة لعام 2030 كرؤية لتحويل مسار التنمية للسنوات الخمس عشرة القادمة لبناء مستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً واستدامةً وشمولاً. وتؤكد الخطة أن الشابات والشبان هم عوامل حاسمة للتغيير، ودورهم محوري لتحقيق التنمية المستدامة" تتألّف الخطة من 17 هدفاً و169 مقصداً 1- القضاء على الفقر 2- القضاء التام على الجوع 3- الصحة الجيدة والرفاه 4- التعليم الجيّد 5- المساواة بين الجنسين 6- المياه النظيفة والنظافة الصحية 7- طاقة نظيفة وبأسعار معقولة 8- العمل اللائق ونمو الاقتصاد 9- الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية 10- الحدّ من أوجه عدم المساواة 11- مدن ومجتمعات محلية مستدامة 12- الاستهلاك والانتاج المسؤولان 13- العمل المناخي 14- الحياة تحت الماء 15- الحياة في البر 16- السلام والعدل والمؤسسات القوية 17- عقد الشراكات لتحقيق الأهداف ويتجلى نصيب المرأة الأكبر من هذه الخطة في البند الخامس تحت عنوان "المساواة بين الجنسين" ويشتمل بحسب الخطة على المقاصد التالية: • القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان (تظل قوانين الأسرة أو قوانين الأحوال الشخصية مصدراً جوهرياً لعدم المساواة الرمزية والمادية. فقوانين الأحوال الشخصية تجسّد تحيزاً ذكورياً شرّعته المؤسسات الدينية، ومن ثم يصعب الطعن فيها؛ والأساس القانوني لمدونات القواعد في معظم البلدان العربية هو الفقه الاسلامي الذي يفترض أن يمثل الشريعة، لكنه في الولقع يمثّل تفسيرات أبوية للشريعة، لكنه في الواقع يمثّل تفسيرات أبوية للشريعة. وتقنّن قوانين الأحوال الشخصية الى حد كبير من حيث الوصاية والسلطة الذكورية. ويمكن لتأطير العلاقات بين الجنسين هذا العنف المنزلي، حيث يعد عنف الزوج تجاه زوجته شكلاً من التأديب) ونحن نطالب بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات المسلمات في كل مكان؛ فلا تمنع فتاة أو امرأة في أي مكان من أماكن العلم أو العمل أو الترفيه بسبب حجابها ولباسها المحتشم • القضاء على جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات في المجالين العام والخاص، بما في ذلك الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وغير ذلك من أنواع الاستغلال ونحن نطالب بالقضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات المسلمات في المجالين العام والخاص، بما في ذلك الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وغير ذلك من أنواع الاستغلال. وندعو الى محاسبة الزوج الذي يتجاوز حدود الشرع. • القضاء على جميع الممارسات الضارة، من قبيل زواج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان الإناث) ونحن نطالب بإيقاف كل شكل من أشكال الزواج القسري وخصوصاً بحق الفتيات القاصرات والاتجار فيهن من قبل أوليائهن (فقد ارتفعت، بحسب تقارير اليونيسف، نسبة زواج طفلات اللاجئين السوريين في الأردن مثلاً من 12% عام 2011 الى 32% في الربع الأول من العام 2014 وذلك من رجال يكبرنهن بـ 15 عاماً أو أكثر) وندعو المحاكم الشرعية والقضاة الشرعيين بعدم إجازة عقود الزواج المجحفة بحق الفتيات. • الاعتراف بأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي وتقديرها من خلال توفير الخدمات العامة والبنى التحتية ووضع سياسات الحماية الاجتماعية وتعزيز تقاسم المسؤولية داخل الأسرة المعيشية والعائلة، حسبما يكون ذلك مناسباً على الصعيد الوطني وهذا يصب في مصلحة المرأة المسلمة ربة المنزل حيث يؤمن لها مورداً مالياً يمكنها استثماره ويشجع زوجها على المشاركة في أعباء المنزل وهذا لا يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف. فعن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته، وكان بشراً من البشر يَفْلِي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. • كفالة مشاركة المرأة مشاركة كاملة وفعالة وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع الرجل على جميع مستويات صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة ونحن نطالب بكفالة مشاركة المرأة المسلمة الملتزمة مشاركة كاملة وفعالة وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع المرأة غير الملتزمة أو الرجل على جميع مستويات صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة. حيث ينتقد تقرير التنمية الانسانية العربية وصول المرأة المحافظة الى مواقع القرار (لا يؤدي دائماً اشراك المرأة في مناصب صنع القرار الى اجراءات جديدة لتعزيز المساواة. فقد لاحظ باحثون وناشطون في العراق وفلسطين، على سبيل المثال، أن نظام الحصص مكّن النساء في أحزاب دينية محافظة من دخول مجلس النواب، حيث غالباً ما يدعمن قوانين ولوائح تقوّض حقوق المرأة) • ضمان حصول الجميع على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وعلى الحقوق الإنجابية، على النحو المتفق عليه وفقا لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية ومنهاج عمل بيجين والوثائق الختامية لمؤتمرات استعراضهما ونحن نؤكد على ضرورة التوعية والتثقيف الجنسي والصحي للشباب والشابات انطلاقاً من تعاليم الإسلام والتحذير من تداعيات الانفلات الأخلاقي على الصحة والمجتمع وإظهار المشاكل والأمراض الصحية والنفسية والاجتماعية التي تدفع ثمنها المجتمعات المتحررة أخلاقياً • القيام بإصلاحات لتخويل المرأة حقوقا متساوية في الموارد الاقتصادية، وكذلك إمكانية حصولها على حق الملكية والتصرّف في الأراضي وغيرها من الممتلكات، وعلى الخدمات المالية، والميراث والموارد الطبيعية، وفقًا للقوانين الوطنية ونحن نؤكد على أن للمرأة ذمتها المالية المستقلة، ولها حقوقها الكاملة على أموالها وممتلكاتها، وهي غير ملزمة بالإنفاق على زوجها ونفسها من مالها الخاص • تعزيز استخدام التكنولوجيا التمكينية، وبخاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من أجل تعزيز تمكين المرأة ونحن نحث المرأة المسلمة الملتزمة على تسخير كل وسائل التكنولوجيا الحديثة لخدمة رسالتها وأهدافها الخاصة والعامة • اعتماد سياسات سليمة وتشريعات قابلة للإنفاذ وتعزيز السياسات والتشريعات القائمة من هذا القبيل للنهوض بالمساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات على جميع المستويات ونحن نؤكد على ضرورة القيام بمراجعة نزيهة للقوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة، برؤية جديدة، وتنقيتها من الشوائب المستمدة من الأعراف والتي لا تمت الى الدين بصلة، ووضع سياسات تمنع جميع الممارسات المجحفة بحق المرأة بإسم الدين الخلاصة إن هذه البرامج والاتفاقيات، بقدر ما تمثّل خطورة على مجتمعاتنا العربية والاسلامية من خلال استهدافها للأسرة عن طريق تحريض المرأة تحت شعار الحرية والمساواة، بقدر ما تعطي للمرأة المسلمة الملتزمة الفرص والمنافذ للوصول الى أعلى مواقع القرار، إذا أحسن استغلالها والتعامل معها بفطنة ونباهة. ومن ناحيتها، تؤكد منظمة المرأة العربية على أهمية ادماج النساء والفتيات في أهداف التنمية الـ 17 للأسباب التالية : 1. الاهتمام بصحة المرأة سوف ينعكس إيجاباً على صحة أبنائها 2. ترتفع المدّخرات بنسبة 35% عند تدعيم حقوق الملكية للمرأة 3. تؤكد الدراسات على أن المؤسسات التي تديرها نساء تكون أكثر حفاظاً على البيئة 4. زيادة التحاق الفتيات بالمدارس بنسبة 10% سوف ينعكس على نمو الناتج المحلي الاجمالي بحوالي 3% 5. العائلات التي تعولها المرأة يتم تخصيص نسبة أكبر من ميزانية الأسرة لتعليم الأبناء 6. إدماج المرأة في عملية صنع القرار سوف يؤدي الى زيادة كفاءة المشاريع الاقتصادية والبيئية واستدامتها وبناء السلام 7. تملّك النساء للأراضي الزراعية يقلّل من احتمالية تعرضهن للعنف المنزلي بـ 8 أضعاف 8. تقليل الفجوة بين الجنسين في الزراعة سوف يخلّص حوالي 100 مليون شخص من الجوع 9. تشغيل مزيد من النساء سوف يزيد من انتاجية العمالة بنسبة تصل الى 25% في بعض الدول 10. عالمياً تنفق المرأة العاملة حوالي 90% من دخلها على أسرتها، بينما ينفق الرجل حوالي 30-40% وفي خضمّ المتغيرات والتحديّات الاجتماعية والاقتصادية، نطرح سلسلة من التساؤلات برسم قادة الرأي في العالم الاسلامي: • من المستفيد الأكبر من جهل المراة المسلمة؟ • هل نحارب العولمة بالجهل؟ • هل نحارب دعوات التغريب بالتقوقع والانعزال؟ • هل نتصدى لمشاريع ومخططات الغرب بالمقاطعة العشوائية والتفكير السلبي؟ • هل يوجد في الاسلام ما يحرّم الكسب الحلال للمرأة؟ او الاستثمار او التجارة المشروعة؟ • أليست المرأة المؤمنة الثرية التي تبني المساجد والمدارس والمستشفيات أكثر نفعا للأمة من المرأة الفقيرة ؟ • أليست المسلمة القوية خير من المسلمة الضعيفة ؟ • هل المطلوب أن تكون المرأة المسلمة وحدها خارج المعادلة التي تنادي بسد الفجوة بين الجنسين على صعيد الدخل المالي بحلول العام 2030؟ ففي حين أننا لا نرى الحل في اتباع النهج الغربي لمفهوم الحرية وسلوكيات المرأة، بل نراه في التفتيش عن نقاط الخلل والضعف والبحث عن نقاط القوة والعزة والتمييز بينهما، ولكن بالمقابل، وفي ظل غياب تحديث فعلي لقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية وفق متطلبات العصر، فسوف تكون الاتفاقيات الدولية وأجندات المنظمات الدولية ومن ورائها صنّاع السياسات العالمية هي البديل، فلنحسن الاختيار ولندرس المخاطر بميزان فقه الأولويات وفقه الضرورة. ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أقتبس من شيخنا الداعية فتحي يكن رحمه الله، حيث قال: "كنت أتمنى على الذين يتذرعون بالإسلام لإسقاط دور المرأة في الصراع العالمي، أن يدركوا بأنهم يتسببون بتعطيل نصف طاقة المجتمع. ويسهمون بتقدّم المرأة في المجتمعات الأخرى لتأخذ دورها – بصرف النظر عن الجانب المسلكي- لتأخذ دورها كباحثة، ومخترعة، ومشرّعة، ومخطّطة، وقائدة عسكرية وأمنية، ومربية مدرسية، وتادرة، واستاذة جامعية، ومرشدة اجتماعية، ونائبة ووزيرة، ...إلخ. نحو امرأة مسلمة على مستوى العصر إن المرأة المسلمة يجب أن تخط لنفسها مساراً منفصلاً عن الموروثات الاجتماعية وعن الانفتاح المنافي للدين، وعليها أن تكون واعية للمتغيرات المجتمعية وتغتنم الفرص وتواكب التطورات التكنولوجية وانعكاساتها على سوق العمل بدءا من اختيارها للتخصص الجامعي وصولا الى عملها الوظيفي. فما هي مواصفات المرأة المسلمة الذكية؟ 1. المرأة المسلمة الذكية هي التي تعمل لدنياها كأنها تعيش أبداً وتعمل لآخرتها كأنها تموت غداً 2. تطلب العلم ولو في الصين وتحسن اختيار تخصّصها وفق متطلبات سوق العمل 3. تحسن اختيار زوجها الذي تتشارك وإياه في بناء أسرة مسلمة على مستوى العصر 4. لا تضيّع ساعة بدون علم أو عمل أو عبادة 5. تصطاد الفرص كي تتعلم وتفيد مما تعلمته 6. صاحبة رؤية وهدف ومشروع ذكي 7. تسخّر كل وسائل العصر المشروعة لخدمة مشروعها 8. تتعلّم دينها وتتحرى بنفسها الحلال والحرام ولا تخاف في الله لومة لائم 9. تعرف حقوقها وواجباتها المشروعة ولا تقبل الظلم لنفسها أو لغيرها 10. توازن بين مسؤولياتها الأسرية والمهنية والدعوية 11. تميّز بين التقاليد الموروثة المعطّلة للإمكانات والأعراف الجميلة التي تحفظ التراث وتصون المجتمع 12. تؤمن أن المسلم القوي خير من المسلم الضعيف فتنمي قدراتها 13. تستكشف مواهبها التي أنعم الله بها عليها وتنمي مهاراتها 14. تبحث عن الحلول الذكية لكل ما يعيق تطلعاتها 15. تحسن استثمار أموالها وتبحث عن السبل المشروعة لتنمية ثروتها 16. تخطّط لمستقبلها ولشيخوختها مع التوكّل على الله 17. تعرف كيف تكون شريكة للرجل وسكناً له ولباساً 18. تحوّل معاناتها الى فرص للتعلّم والعمل (كالدورات التدريبية للنازحين) 19. المرأة المسلمة الذكية تحسن استثمار عقلها ووقتها وجسدها ومالها في طاعة الله
التوصيات 1. محاربة الجهل بكل أشكاله ونشر الوعي والثقافة لدى الشابات ليكون لهن دور رائد في نهضة الأمة 2. إزالة العقبات الثقافية والاقتصادية لتحقيق العدالة للمرأة المسلمة 3. الدعوة للقضاء على كل أشكال التمييز ضدّ المرأة المسلمة وفق ما شرعه الله تعالى 4. فتح باب الاجتهاد للتأكيد على أن الاسلام صالح لكل زمان ومكان 5. فتح باب الحوار بين الأجيال والسماح للشباب، ذكوراً وإناثاً، بطرح جميع تساؤلاتهم ومشاكلهم دون خوف 6. تثقيف الشباب، ذكوراً وإناثاً، حول حقوق المرأة في الاسلام 7. حث المجتمع الدولي على حماية النساء من العوز ومنع الإتجار بهن واستغلال فقرهن - وخصوصاً النساء النازحات بسبب الحروب - والذي قد يؤدي بهن الفقر لامتهان أعمال غير شريفة من أجل تأمين لقمة عيش 8. السعي لمعالجة قضايا العنف والاستغلال في بيئة العمل من خلال القوانين والتشريعات 9. تشجيع ريادة المرأة للأعمال من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي من شأنها المساهمة في التنمية الاقتصادية 10. دعم الصناعة الحرفية النسوية 11. تشجيع المرأة المسلمة على استخدام التجارة الالكترونية 12. خلق فرص استثمار للمرأة المسلمة وحث مؤسسات التمويل العربية والإسلامية على دعم المرأة 13. الاستفادة القصوى من فرص التمويل المتاحة للمرأة من قبل المنظمات الدولية 14. دعم المنتجات والمؤسسات والأعمال العائدة لسيدات أعمال مسلمات وخصوصاً الناشئة منها 15. وضع خطط استراتيجية على صعيد الدول والمنظمات الاسلامية تهدف الى تمكين المرأة المسلمة وتكون متوازية للخطط العالمية بحيث تستفيد منها حيث أمكن وتواجهها أو تخفّف من تداعياتها (العمل على ادماج المرأة المسلمة في خطط التنمية المستدامة 2015-2030) 16. التعرّف على أفضل الممارسات في ريادة الأعمال الاسلامية والعالمية التي تمكّن المرأة المسلمة اقتصادياً 17. انشاء تكتل اقتصادي نسائي اسلامي عالمي يدعم سيدات الأعمال المسلمات ويقوي مكانة المرأة المسلمة دولياً ويعزّز دورها كقوة فاعلة ومؤثرة في التنمية الاقتصادية اقليمياً وعالمياً 18. رصد الدراسات والأبحاث والتوصيات التي تصدر عن المنظمات الاسلامية والدولية والمنظمات المعنية بالمرأة والمؤتمرات العالمية المتعلقة بشؤون المرأة والاستفادة منها لرسم خارطة الطريق
الخاتمة إن القناعات السلبية تعتبر عقبات في طريق الفرد نحو التغيير، وفي طريق المجتمع نحو التقدم. يقول الله عزّ وجل:"إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أي إن الله لا يصلح أحوال قوم إلا إذا أصلحوا ما بأنفسهم. فكل مشاريع التغيير إن لم تبدأ من الداخل لا جدوى منها. فإذا كان تغيير ما في النفوس مطلوب كشرط أساسي لتغيير الأحوال، فهذا دليل على أن ديننا دين التغيير وليس دين الجمود. هو دين التجديد والنهضة وليس دين العادات والتقاليد العمياء.. إنه دين العصر وليس دين العصور الغابرة.. فلنكن جميعاً على مستوى العصر..
المراجع
1. القرآن الكريم. 2. الحديث الشريف. 3. الألكسو.بيان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية 8 يناير 2013. 4. التحدّيات التي تواجه الشابات في البلدان العربية. تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2016. المكتب الإقليمي للدول العربية. 2016. 5. حيدر الجراح. الرواسب الثقافية وإعاقة التنمية. شبكة النبأ المعلوماتية. 25 أكتوبر 2010. 6. رضوان السيد. قضايا المرأة المسلمة في المجال الدولي. محاضرات المركز الثقافي الاسلامي: المرأة في الشريعة الاسلامية وفي التشريعات الدينية والمدنية وفي المؤتمرات الدولية. المركز الثقافي الاسلامي، بيروت،1999. 7. فتحي يكن. نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997. 8. فتنت مسيكة بر. المرأة بين مكة وكوبنهاجن. محاضرات المركز الثقافي الاسلامي: المرأة في الشريعة الاسلامية وفي التشريعات الدينية والمدنية وفي المؤتمرات الدولية. المركز الثقافي الاسلامي، بيروت، 2000. 9. محمد الغزالي. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة. دار الشروق، القاهرة، الطبعة السابعة 2002. 10. محمد قطب، معركة التقاليد. دار الشروق، 1973. 11. محمد راتب النابلسي، خطب الجمعة. 12. مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، دمشق 1962. 13. معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي. 14. منى حداد يكن. المظهر المعاصر لحرية المرأة بين دعوات التغريب والمحافظة على الدور. 2002. 15. منظمة المرأة العربية. مؤتمر بعنوان "المرأة العربية في الأجندة التنموية 2015-2030". القاهرة. 29 نوفمبر حتى 1 ديسمبر 2015. 16. هيلين كلارك. مقدمة تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2016. المكتب الإقليمي للدول العربية. 2016.
|
|
|
|