"ولدي، عائلتي، منزلي أو عملي؟" هكذا دائماً تجد المرأة العاملة نفسها حائرةً بعد أول مولود تضعه، وتبدأ تساؤلاتها وحيرتها وضياعها وعدم استقرارها. في عصرنا الحاضر، اختارت أكثر من نصف النساء الحياة المهنية، لكن هذا لا يعني أن التوفيق بين دور الأم ودور المرأة العاملة هو أمرٌ يسير، فلكي تتمكن المرأة من مواصلة حياتها المهنية دون الإضرار بأفراد عائلتها، يجب عليها أن تملك مهارات تنظيمية جيدة واتقان فن وضع برنامج دقيق ومترابط. تعدّ هذه المشكلة التي تعيشها الأم بين رعاية طفلها واستئناف عملها من أكثر المشكلات التي تواجه الأمهات العاملات، حيث يخامر المرأة انطباع بأنها تستطيع أن تكرّس نفسها لكلا الجانبين، إلا أنها لا تستطيع أن تقوم بالمهمتين معاً بشكل مناسب؛ والأمر يتطلب أن تكون المرأة "خارقة"، وهذا من الصعب معايشته. من المعروف أن المرأة العاملة تواجه تحديات كثيرة لأن عليها أن توازن بين عملها ومنزلها ولا تقصر في أي منهما، على العكس ما قد يتصوره البعض، وتأتي أحياناً هذه المصاعب على صحتها وراحتها النفسية والأسرية إذا ما قصرت في واجباتها المنزلية، فبعض الأزواج يريد من زوجته العاملة الإمرأة الخارقة بدون أية مساعدة منه، وهنا عليها ضرورة القيام ببعض الخطوات لكي تنظم حياتها وتوازن بين عملها وبيتها . تتحمَّل المرأة العاملة مسؤولية مضاعفة بالقياس إلى مسؤولية الرجل؛ فهي مطالبةٌ بالنجاح داخل البيت وخارجه، وعليها أن توفِّق بين عملها هنا وعملها هناك، فلا يشغلها واجبها في أحد العملين عن واجبها في العمل الآخر. وهنا تحتاج المرأة العاملة إلى دعم الرجل ومساندته لكي تتمكَّن من النجاح الذي يحتاج إلى درجة عالية من المثابرة والتنظيم وحُسْن التصرُّف بالوقت. لذا، ولكي تكون المرأة قادرة على التوفيق بين الحياة العائلية والحياة المهنية، فإنه من الضروري إشراك الأب وتقاسم المهام المنزلية مع الزوج، فمن جانبها يجب على الأم أن تقبل حقيقة أنها ليست المرأة الخارقة وأنها تستطيع أن تفعل كل شيء. أما من جانب الأب، فيجب عليه أن يوافق على المشاركة في الحياة العائلية، وينبغي أن تكون المهام الموكلة إلى كلا الأبوين متوازنة تماماً في المنزل، وهذا أمر مهم جدًا لكي تتمكن الأم أن يكون لها مستقبل مهني مزدهر لا يؤثر على حياتها الشخصية. إن تقسيم المهام ينبع من وجود الشعور بالتنظيم، ومرة أخرى ينبغي للأمهات بالتأكيد ألا يعتقدن أنهن يستطعن أن يفعلن كل شيء، والآباء ينبغي أن يتوقفوا عن التفكير على هذا النحو. هذا وتظهر الكثير من الدراسات تؤكد أن الأطفال الذين لديهم آباء يشاركون في الرعاية بإيجابية، يصلون إلى سن المدرسة بأفضل معدلات ذكاء "QI" وكذلك لديهم أفضل فرص للنجاح. وما هو جدير بالذكر أيضاً، أن هؤلاء الأطفال لديهم أفضل علاقات مع الأطفال الآخرين، ويتمتعون بمزاج معتدل، ولديهم صورة قوية عن ذاتهم، فالوجود الحيوي للأب لا يقدّم العديد من الفرص لتقوية أواصر الأسرة فحسب ولكن للطفل أيضاً. ويقول الدكتور بيري برازيلتون: "إنّ المرأة بحاجة إلى أن تفكّر جيداً في الدورين الذين يجب عليها أن تملأهما وأن تجمع بينهما بشكل متواز"، فهذا الأمر يعود حتماً بالنفع على الأسرة ككل، وتشير الدراسات بوضوح إلى أن المرأة الناجحة والسعيدة في حياتها المهنية لديها فرص أكبر للنجاح في حياتها العائلية ودورها كأم. كما أنّ عمل الأمهات يصقل شخصية أبنائهنّ ويجعلهم أكثر اعتماداً على أنفسهم، لكنه قد يؤدي لحرمان الأطفال من قدر من الحنان في فترة الطفولة المبكرة. إذا اخترتِ أن تكوني أمّاً عاملة تتقدمين في حياتك المهنية إلى جانب رعايتك لأبنائك وزوجك ومنزلك فأنتِ بحاجة إلى تطبيق هذه الأشياء لتشعرين بالسعادة والتوازن في حياتك: - الحصول على جميع عطلاتك: لا تفرّطي في الحصول على كافة إجازاتك التي تمنحها لكِ قوانين العمل في بلدك، فالإجازة ضرورية لمواجهة التوتر والضغوط العصبية المستمرة، ولعلاج الاكتئاب الناتج عن الروتين اليومي للأم العاملة، كما تساعدك الإجازات وحسن الاستمتاع بها على تحسين أدائك في العمل والإبداع فيه. - وقت البيت لأطفالك: عند عودتك إلى منزلك أغلقي هاتف العمل، وخصّصي وقتك في منزلك لأطفالك واستمعي إليهم بإصغاء وتعرّفي على أحداث يومهم. - قسّمي الأعمال المنزلية على أبنائك: يجب حثّ الأبناء على المشاركة في الأعمال المنزلية لتعويدهم على روح الفريق والتعاون فيما بينهم، لذا خطّطي جدولاً لكل طفل وفقاً لسنّه ومهاراته بالأعمال التي يجب عليه أداءها. - عبّري عن غضبك: مع تزايد الضغوط يتصاعد أحياناً الغضب والتوترات العصبية، لذلك لا تسمحي بتفاقم هذه المشاعر السلبية ولكن تخلّصي منها أولاً بأول من خلال الفضفضة مع زوجك أو صديقتك المقرّبة واطلقي لدموعك العنان لتشعري بعدها بالراحة. - ممارسة الرياضة بانتظام: يجب عليكِ خلق روتين رياضي خاص بك يومياً والانتظام عليه، ويمكنك ممارسة رياضة المشي أو الركض لتنشيط الدورة الدموية والشعور بالسعادة، حيث تقضي الرياضة على الاكتئاب وتخلّصك من التوتر. - تخلّصي من الفوضى: لا تجعلي الفوضى تتسلل إلى منزلك أو مكتبك، فهي أحد أسباب استنزاف الطاقة الإيجابية والوقت، لذلك تخلّصي دائماً من الفوضى ومسبباتها بشكل سريع من خلال التخلّص من النفايات والأوراق والعلب الفارغة والتبرّع بالأشياء التي لا تحتاجينها ولكنها بحالة جيدة. - شبكة داعمة: احرصي دائماً على بناء شبكة داعمة من زوجك وأقاربك وأصدقائك لتكون بمثابة المنقذ لكِ عند حدوث أي موقف طارئ لمساعدتك في اللحظات الحرجة ولا تتردي في طلب المساعدة. - كوني متسامحة مع نفسك: لا تتطلعي إلى الكمال وتهدري طاقتك في ذلك، كوني رحيمة مع نفسك ولا ترهقيها بأكثر مما تطيق ولا تغفلي تخصيص وقت لنفسك تلتقطين فيه أنفاسك وتجددين عبره طاقتك لمواصلة إنجازاتك. ختاماً رسالة لكل الأمهات العاملات: كوني موظفة فإن ذلك سيكون له آثاراً إيجابية طويلة الأمد على أطفالك، وعندما تذهبين للعمل فأنت تساعدين أطفالك على فهم أن هناك الكثير من الفرص بالنسبة لهم، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة إهمال الأطفال في البيت، فالأمر يقوم على منحهم الشعور بالمسؤولية مع مواصلة التربية وتعزيز استقلالية شخصيتهم. بالطبع لا بد أن تضع المرأة العاملة البيت والأسرة ورعاية أطفالها وتربيتهم التربية الصالحة في الأولوية ثم يأتي العمل بعد ذلك، وأن تسعى لعدم الإهمال في الإثنين بقدر المستطاع لأنها هي التي اختارتهما معاً منذ البداية برغبتها، وإذا لم تستطع التوفيق بينهما فيبقى دورها كأمّ هو العمل المثالي لها، خدمةً لأطفالها وللمجتمع. |